قال تعالى في محكم التنزيل، في سورة الروم: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم].
قوله: (فطرة الله) أي: خلق الله الذي خلقهم عليها، وهي الإسلام.
وقوله: (لا تبديل لخلق الله) أي: لا تغيّروا خلق الله تعالى الذي خلقهم عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ، ثم يقول : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
رواه البخاري ومسلم.
قلت: ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "ويؤسلمانه" فالإسلام هو دين الفطرة.
وعن عياض بن حمار قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله جل وعلا أمرني أن أعلمكم مما علمني يومي هذا، وإنه، قال لي: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن كل ما أنحلت عبادي فهو لهم حلال، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم الذي أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا .. الحديث.
رواه مسلم بإسناد صحيح، وإسنادين فيهما ضعف، والغريب أن الإمام مسلم، قدّم ذكر أحد الإسنادين الضعيفين، ثم أعقب بعد ذكر الحديث بذكر الإسناد الصحيح والإسناد الضعيف الأخر!
قلت: وهذا لا يعني أن المولود يولد يوم أن يولد عالماً بجميع أحكام الشريعة الإسلامية، بل المراد بذلك، أن المولود يكون نقيّاً من الشرك، وإذا سلِم من أن يؤثر على فطرته، فإنه لا يبلغ سنّ التمييز حتى يدرك ثلاثة مسائل: أن له ربّاً، وأن ربّه في السماء، وأن ربّه هو الملجأ والملاذ عند النوائب.
وقد لا يعرف اسمه الله تعالى، ولكن يعرف أن له ربّاً وإلهاً، فيقول: يا إلهي أغثني أو أعني أو أعذني أو أرزقني أو أشفني، ونحو ذلك.
وما يترتب على ذلك، من معرفة أن الله تعالى هو المتفرد بالملك والخلق والأمر والتدبير، لأنه لا يستقيم الإيمان بأن الله تعالى هو الربّ وهو الملجأ والملاذ عند النوائب، إلا بالإقرار بتفرد الله تعالى بالملك والخلق والأمر والتدبير، سواء صرّح العبد بذلك أو لم يصرّح، اعتقاده وفعله دلّا على ذلك، وإن لم يستحضر هو ذلك أو يتفوّه به.
وأما معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، ومعرفة أحكام الشريعة، فلا يكون ذلك إلا بالخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.