من قدح في ربوبية الله تعالى أو ألوهيته أو أشرك فيهما معه أحد غيره فهو كافر مشرك سواء كان جاهلا أو عالما معذوراً بعدم بلوغ الحجة أم غير معذور وإن زعم أنه مسلم ونطق الشهادتين وصلى وتصدق وصام وحج البيت الحرام.
لأن فاعل ذلك لم يأتي بأصل الأصول ونقض الشهادتين باعتقاده وفعله، والشهادتان لهما مضمون، فمن لم يأتي بمضمونهما لا تنفعه.
وعلى هذا فإن الصوفية والشيعة - الذين يعبدون الملائكة والجن وآل البيت ومشايخهم الذين يسمونهم الأولياء الصالحين يدعونهم من دون الله تعالى ويستغيثون ويستعينون ويستعيذون بهم فيما لا يقدر عليه سوى الله تعالى - ليسوا من الإسلام في شيء وإن أدعاءهم الإسلام يكذبه ما يعتقده هؤلاء الضالون في قلوبهم وتعمله جوارحهم من الإشراك بالله الشرك الأكبر الذي ما بعث ربنا عز وجل أنبياءه إلا لحربه وحرب أهله ومن جعلهم مسلمين عالما بحالهم خشي عليه أن يخرج هو من الإسلام لإجماع السلف على أن من لم يكفر الكافر ممن يفهم فهو كافر.
ويدل على ذلك أيضا أن الله تبارك وتعالى لم يسمي مشركي العرب قبل الإسلام، مسلمين متلبسين بشرك - كما يقول بعض الجهلة عن الصوفية والشيعة - مع أنهم كانوا يؤمنون بنبوة إبراهيم عليه السلام ويعتقدون أن ماهم عليه هو ملته ودينه الذي يدين لله به! ولم يعذرهم بالجهل مع أنهم لم يكن لديهم كتاب ولا علم، وهؤلاء الصوفية كتاب الله بين ايديهم وسنة رسول الله بين ظهرانيهم، ثم يأتي من يقول بأنهم معذورون بالجهل، سبحانك هذا بهتان عظيم، مما يثبت قطعاً أن حال الصوفية والشيعة ومشركي العرب قبل الإسلام في الحال سواء.
(انظر بحث بعنوان: أوجه الشبه بين مشركي العرب قبل الإسلام ومشركي الصوفية والشيعة)
ومثله من يلحد في صفات الله عز وجل بتعطيل أو تمثيل والصفات ليست على حكم واحد.
فصفات لا يعذر الجهل بها مطلقا كصفة الحياة والملك والخلق والأمر والتدبير والقوة والقدرة والعلم والإرادة، لتعلقها بتوحيد الربوبية ففي قدحه فيها أو نفيه لها أو ادعاء أن ثمة من يشارك الله في كمال هذه الصفات فقد قدح في ربوبية الله تعالى وأشرك معه فيها غيره.
وصفات يعذر الجاهل فيها بجهله، لأن صفات الله لا تثبت إلا من جهة الخبر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي باقي الصفات، كما قرر ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، في عقيدته المشهورة.
والدليل على ذلك ما رواه أحمد وغيره أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم .. الحديث
فلم تكفر بقولها هذا قبل إخبار النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان العبد يكفر قبل العلم بها لكان لزاما على النبي أن يخبر به الناس ويحذرهم منه كما أخبرهم عن الشرك وحذرهم منه قبل أن يبدأوه بالسؤال.
ومثله قصة الرجل الذي أمر أبناءه أن يحرقوه ويذروه في الهواء والماء وظن أن الله لن يقدر عليه فكان هذا منه شكاً في قدرة الله تعالى، فلم يؤاخذه الله بذلك عز وجل رحمة منه به، فدلت هذه الأخبار على أن الجاهل بذلك لا يكفر إلا بعد قيام الحجة والله أعلم وأحكم.
وكذلك من تأولها على غير ظاهرها، أو فوّض علم معانيها لله تعالى، وأنكر أن يكون معناها الظاهر غير مراد، هروباً من التمثيل بزعمه، متأثراً بقول من سبقه، ملبّساً عليه ببعض المتشابه من آيات القرآن، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة وتبيّن له الأدلة.
وعلى هذا فإن معطلة الصفات كالجهمية والمعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية ومن سلك سبيلهم، يكفرون بعد إقامة الحجة عليهم ببيان الأدلة من الكتاب والسنة، ما لم تكن هناك شبهة غلبت عليهم من كتاب الله أو من سنة رسول الله.
ومن الكفر الأكبر أن يسب الله عز وجل أو يسب رسوله أو أحداً من أنبيائه، أو أن يكذب بشيء من القرآن أو يكذب بشيء من السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم عالماً متعمداً فإن كان جاهلا أو متأولا تأويلا خاطئا بيّن له وأقيمت عليه الحجة قبل الحكم عليه.
وأما الصلاة فتاركها على حالات:
الأولى : أن يجحد وجوبها فهذا يكفر بعد إقامة الحجة عليه إن كان جاهلا بأنها فرض في كتاب الله وسنة رسوله.
والثانية: أن يقر بوجوبها ولكنه لا يصلي أبداً تهاونا وكسلا فهذا كافر بنص أحاديث رسول الله، ومثله من كان أكثر وقته لا يصلي.
والثالثة: أن يقر بوجوبها ولكنه يصلي أحيانا ويدع أحيانا فهذا اختلف في حكمه فقيل يكفر وقيل لا يكفر وقد ورد حديث عن النبي فيه إشارة أنه لا يكفر ولكنه ضعيف الإسناد، والله أعلم بحاله.
والرابع: أن يقر بوجوبها ويحافظ على صلاتها ولكنه يؤخرها عن وقتها، فهذا لا يكفر بنص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما باقي أركان الإسلام وهي: الزكاة والصوم والحج فتركها أيضا على حالات:
الأولى: أن يجحد وجوبها فهذا يكفر بعد إقامة الحجة عليه إن كان جاهلا.
الثانية: أن لا يجحد وجوبها ولكنه قال لا أزكي أبدا بخلا بماله أو قال لا أصوم أبدا ولا أحج أبدا تهاونا وكسلا فقيل يكفر وقيل لا يكفر والله أعلم.
الثالثة: أن لا يجحد وجوبها ولكنه يزكي أحيانا ويدع أحيانا أخرى ويصوم أحيانا ويدع أحيانا أخرى وينوي الحج ولكنه يسوّف حتى مات قبل أن يحج فهذا لا يكفر وإنما عاصي لله عز وجل.
وأما باقي فروض الدين ونواهيه فلا يكفر المخالف فيها إلا بعد قيام الحجة بالعلم بها مع استحلاله لمخالفته لها فإن تركها عالماً بها من غير استحلال – أي مقراً بأن ما وقع فيه مخالفة للشرع – فهو عاصٍ ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.
والدليل ماروي عن عبدالله بن شقيق رحمه الله قال : "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة".
رواه الترمذي في جامعه والمروزي في تعظيم قدر الصلاة.
والله وحده أعلم وأحكم
تنبيه: الحد بين الإسلام والكفر يجب أن يتعلمه الصغير والكبير والمبتدئ والمتضلع فالتهويل من التكفير أخرج لنا المرجئة الذين يرون أن كل من نطق الشهادتين مسلم وإن جاء بجميع نواقض الإسلام والتهاون في التكفير أخرج لنا الخوارج الذين يكفرون بالذنوب والأوهام فتنبهوا.
كما أن إقامة الحجة لا تحتاج إلى أن تشق القمر نصفين أو تفرق البحر فرقين يكفي أن تبين الحق للمخالف بالأدلة من الكتاب والسنة فإن أعرض فقد أهلك نفسه.