حكم الخروج على الحاكم الذي يحكم بلاد المسلمين

الحاكم لا يخلو من أن يكون مسلماً أو كافراً.

وكلاهما لا يخلو من أن يكون عادلاً أو ظالماً.

وكلاهما لا يخلو من أن يكون قويّاً أو ضعيفاً.

فأما المسلم العادل القوي، فلا يجوز الخروج عليه، والخارج عليه ظالم باغ آثم.

وأما المسلم الظالم القوي فلا يجوز الخروج عليه حفاظاً على وحدة المسلمين ولأن في الخروج عليه مفاسد أعظم من الخروج عليه، فظلمه أهون من سفك الدماء وترميل النساء وتأتيم الأطفال، وضياع الأمن، واطماع الكفار في بلاد الإسلام، كما أن قوته للمسلمين وظلمه لهم إنما يلحقهم في بعض شؤونهم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحاكم الجائر.

وأما الكافر العادل القوي والكافر الظالم القوي، فلا يجوز الخروج عليهما، لا لحرمة الخروج عليهما، فليس لهما حرمة، بل لكون الخروج عليهما يجر إلى مفاسد عظيمة، وقد لا يحصل المسلمون من خروجهم عليهم إلا على ما يرجونه من مصالح، فيكون خروجهم عليهم مفسدة كله، ما لم تكن لهم قوة تكافئ قوة هذا الحاكم أو أقوى منه، فعندئذ يستعينون بالله ويخرجون عليه، وأما عدا ذلك فلا.

وأما المسلم العادل الضعيف، فلا يجوز الخروج عليه، وإنما يوظف معه من الوزراء والمستشارين من يقوونه ويأزرونه برأيهم وتشجيعهم، وإن طلب منه أن يتنحى وتنحى هو بإرادته، وعيّن حاكم مسلم قوي عادل، بدون حدوث أي فتنة، فلا بأس بذلك.

وأما المسلم الظالم الضعيف والكافر الظالم الضعيف، فيجب الخروج عليهما وإزاحتهما عن الحكم، لضعفهما وجورهما وكفر الكافر، وإني لأخشى إن لم يخرج عليهما المسلمون، أن ينزل الله على المسلمين نقمته وعذابه.

فإن قال قائل: كيف اجزت الخروج على الحاكم المسلم الظالم الضعيف، والنبي نهى عن الخروج على الحكام المسلمين دام أنهم لم يأتوا بكفر بواح؟

فالجواب: إنما نهى النبي عن الخروج على الحكام الأقوياء، درءً للفتنة، ولكون ما سوف يقع من المفاسد أعظم من المصالح التي سوف يجنيها المسلمون من الخروج عليهم، والحاكم المسلم الضعيف قد أمنت الفتنة منه، كما أن ضعفه مع ظلمه وجوره وفسقه يضر بمصالح المسلمين في داخل بلادهم وخارجها، فداخل بلادهم ينتشر الخوف والقتل والسرقة والفسق والفجور من شرب الخمور والزنا وغير ذلك، وخارج البلاد يطمع الكفار في بلاد المسلمين ويغريهم بها، زيادة على ما يلحق المسلمين منه من مضرة بسبب ظلمه وجوره، فالحاكم المسلم الجائر الضعيف لا خير فيه على كل حال، فوجب الخروج عليه وخلعه واستبداله بمن هو خير منه وأنفع للمسلمين.

وليس الخروج على الحاكم مسألة اعتباطية أو مباحة لكل أحد، وإنما يرجع في ذلك لأهل الحل والعقد، من رجال السياسة والدين وشيوخ القبائل والقرى فقط، أما العامة والدهماء فلا يجوز لهم ذلك.

والله وحده أعلم وأحكم.