البناء على القبور من سنن المشركين واليهود والنصارى

روى الطبري في تفسيره، في تفسير قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ﴾ [النجم ١٩] عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال عن اللّات: "كان يلتّ السويق للحاجّ".

وروى الطبري عن مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنه، أن اللاتّ كان رجلا يلت السويق لحجاج المشركين فمات فعكفوا على قبره.

قلت: والصواب، أن اللّات اسم صنم كان يعبده المشركون في الجاهليَّة، حيث كان يزعم مشركوا العرب أن اللات والعزّى ومناة بنات الله، تعالى الله علوّاً كبيرا. 

ويثبت ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، لما قال عروة بن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أوشاباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: «امصص ببظر اللات» أنحن نفر عنه وندعه؟! 

والشاهد من ذها الحديث، هو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "أمصص بظر اللّات" فالبظر لا يكون إلا للأنثى، وهو شيء ناتئ في أعلى فرج المرأة، بين شفرتي فرجها. 

وهذا يدل على أن من ذهب أن اللّات اسم لصنم يجسد امرأة يعتقد فيها المشركون ما يعتقدون من أنها ابنة الله تعالى وتقدس عن الصاحبة والولد، هو القول الصحيح.

وبهذا فاللات ليس وصفاً لرجل، بل هو اسمٌ لصنم يجسّد امرأة كانت تعبدها العرب في الجاهليّة.

ولكن قول ابن عباسٍ رضي الله عنه، يفيدنا في أن العكوف على القبور، ودعاءها وسؤالها قضاء الحاجات، كان من سنن وعبادات المشركين، والذي يظهر أن ابن عبّاس خلط بين القبر الذي كان يعتكف عنده مشركوا قريش، وبين صنم اللات، فظن أن اللات لقب لصاحب القبر، ومثل هذه الأوهام تقع كثيراً عند الرواة.

وأما اليهود والنصارى، فمن قرأ كتاب يهود، الذي يزعمون أنه التوراة، أو قرأ كتاب النصارى الذي يزعمون أنه الإنجيل، وكذلك رحلة بنيامين التطيلي اليهودي في القرن السادس الهجري، القرن الثاني عشر الميلادي، وكتاب رحلة طافور الأسباني النصراني في القرن التاسع الهجري، القرن الخامس عشر الميلادي، يعلم كيف أن البناء على القبور كان من سنن تلك الأمم.

جاء في كتاب يهود الذي يسمونه: التوراة، في سفر أشعياء [22-16] والنصّ يتحدث عن رجل متكبِّر يدعى: شبنا - شبنة، ما نصُّه:

"ما لكَ ههنا؟ ومَنْ لكَ ههنا حتَّى نَقَرتَ لنَفسِكَ ههنا قَبرًا أيُّها النّاقِرُ في العُلوِّ قَبرَهُ، النّاحِتُ لنَفسِهِ في الصَّخرِ مَسكَنًا؟" اهـ

وتفسير النصّ كما ورد في موقع "الكلمة الثابتة" لتفسير الكتاب المقدس "كما يسمّونه" ما يلي:

"يدل هذا على أن ما فعله شبنا إنما فعله بمنصبه الدال على الكرامة والمسؤولية. وقد صنع لنفسه قبرًا فاخرًا ذا مقام. وفي ذلك الوقت، كان عمله هذا عرضًا للقوة والثروة الكبيرتين" اهـ

الشاهد هو قوله: "وقد صنع لنفسه قبراً فاخراً ذا مقام".

ويقول القمص تادرست يعقوب، كما ورد في موقع الأنبا تكلا هيمانوت، عن تفسير هذا النصّ، وهو يتحدث عن شبنا:

"أراد أن يخلد ذكراه فنحت لنفسه قبرًا عظيمًا في ذات الصخرة التي دفن فيها ملوك يهوذا" اهـ

والشاهد من هذه النصوص، أن شبنا اليهودي، كان قد بنا لنفسه بناء على قبره، الذي سوف يقبر فيه، ليخلد ذكره، ويقال: هذا قبر شبنا.

وجاء في كتاب متَّى [23-27] ما نصّه:

"ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُشبِهونَ قُبورًا مُبَيَّضَةً تظهَرُ مِنْ خارِجٍ جَميلَةً، وهي مِنْ داخِلٍ مَملوءَةٌ عِظامَ أمواتٍ وكُلَّ نَجاسَةٍ" اهـ

وجاء في كتاب متَّى أيضاً [23-29] ما نصّه:

"ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تبنونَ قُبورَ الأنبياءِ وتُزَيِّنونَ مَدافِنَ الصِّدّيقينَ" اهـ

قلت: هذه نصوص تدل على أن من سنن اليهود والنصارى، البناء على القبور، وتزيينها، إما للتفاخر والخيلاء، أو محبة لأصحاب تلك القبور، وهذه من السنن التي أخذها المتكلمون والصوفية والرافضة عنهم.