مذهب الإمام مالك في البناء على القبور

قال سحنون في المدونة: "وقال مالك: أكره تجصيص القبور والبناء عليها وهذه الحجارة التي يبنى عليها. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة قال: إن كانت القبور لتسوى بالأرض. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي زمعة البلوي صاحب النبي - عليه السلام -: أنه أمر أن يصنع ذلك بقبره إذا مات، قال سحنون: فهذه آثار في تسويتها فكيف بمن يريد أن يبني عليها" اهـ

وقال الشافعي في الأم: "أخبرنا مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود، والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب»" اهـ

فمن بنى على القبور أو جصّصها أو اتخذ المساجد عليها، فليس بمالكي، ومالكٌ منه براء.

مذهب الإمام الشافعي في البناء على القبور

قال في الأم: "وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى، ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة (قال الراوي): عن طاوس: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تبنى القبور أو تجصص» (قال الشافعي): وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شيء أن يبنى منها وإنما يهدم إن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس" اهـ

قلت: وإنما لم يرى الإمام الشافعي أن يهدم ما بني على القبر، إذا كان القبر في مقبرة عامة، لانه ظنّ أن النهي إنما ورد لكي لا يضيّق الناس على بعضهم البعض، وهذا خلاف ظاهر الأحاديث.

وقال: "ولا نحب أن يزداد في القبر أكثر من ترابه ليس لأنه يحرم ذلك، ولكن لئلا يرتفع جدا، ويشخص القبر عن وجه الأرض نحو من شبر، ويسطح، ويوضع عليه حصباء وتسد أرجاؤه بلبن أو بناء، ويرش على القبر ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت" اهـ

وقال عن بناء المساجد على القبور: "وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى أو يصلى عليه، وهو غير مسوى أو يصلى إليه، قال: وإن صلى إليه أجزأه، وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود، والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب» (قال): وأكره هذا للسنة والآثار، وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجدا، ولم تؤمن في ذلك الفتنة، والضلال على من يأتي بعد، فكره والله أعلم لئلا يوطأ، فكره والله أعلم لأن مستودع الموتى من الأرض ليس بأنظف الأرض، وغيره من الأرض أنظف" اهـ

قلت: فكل من بنى على القبور أو بنى المساجد على القبور، فليس بشافعي والشافعي منه براء.