مصير الأطفال يوم القيامة

اختلف العلماء في مصير الأطفال يوم القيامة، على عِدّة أقوال:

فالقول الأول: أنهم من أهل الجنة، واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث:

الحديث الأول:

عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموؤدة في الجنة.

رواه البزّار، واللفظ له، والطبراني في الكبير، دون قوله: "والموؤدة في الجنة".

والحديث لا بأس به.

الحديث الثاني:

عن خنساء بنت معاوية عن عمها عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة " وفي لفظ "والوئيد في الجنة".

رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو داود.

والحديث ضعيف.

الحديث الثالث: 

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: "النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة".

رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

والحديث ضعيف.

الحديث الرابع:

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟" قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا لله في الجنة، ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "كل ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها قالت: هذه يدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى"

رواه البزّار مختصراً، والطبراني في الأوسط والصغير، واللفظ له.

والحديث ضعيف.

الحديث الخامس:

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم".

رواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، وابن الجعد.

والحديث ضعيف.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض مغازيه فسأله رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في اللاهين؟ قال: فسكت عنه فلم يرد عليه كلمة، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وطاف فإذا هو بغلام قد وقع وهو يعبث بالأرض فنادى مناديه: أين السائل عن اللاهين؟ فأقبل الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسو الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الأطفال، ثم قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين، هذا من اللاهين". 

رواه البزار، والطبراني في الكبير والأوسط.

والحديث السادس: عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الطويل، وفيه: "والشيخ في أصل الشجرة، والصبيان حوله أولاد الناس، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين".

رواه البخاري ومسلم.

والحديث السابع: عن عائشة: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال: "هم مع آبائهم"، ثم سألته بعد ذلك فقال:" الله أعلم بما كانوا عاملين"، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام، فنزلت: {.. وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أُخرَىٰۚ..} [الأنعام] وقال: "هم على الفطرة"، أو قال: "في الجنة ".

رواه ابن عبدالبر في التمهيد، وسنده ضعيف جداً.

والحديث الثامن: عن قرة بن إياس: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه ابن له فقال له : أتحبه ؟ فقال : أحبك الله كما أحبه ، فمات ، ففقده ، فسأل عنه ، فقال : ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك.

رواه أحمد والنسائي. 

والحديث صحيح.

ويعضده حديث الأسود بن سريع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين، فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم على قتل الذرية؟ " قالوا: يا رسول الله، إنما كانوا أولاد المشركين، قال: "أوهل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد، إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها".

رواه أحمد وابن أبي شيبة، عن الحسن عن الأسود، وقد صرّح الحسن في أحاديث أخرى، بأنه سمع من الأسود.

والحديث صحيح.

قلت: فإذا كان أطفال الكفّار ماتوا على الفطرة، وهو التوحيد والإسلام، فإن حكمهم حكم الموحدين المسلمين.

فصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن جميع الأطفال ومنهم أطفال المشركين في الجنّة ثلاثة أحاديث:

الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة " وفي لفظ " والوئيد في الجنة ".

والثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الطويل، وفيه: "والشيخ في أصل الشجرة، والصبيان حوله أولاد الناس، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين".

والثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: "ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك".

ويعضد ذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي: حديث عياض المجاشعي، وحديث أبي هريرة، وحديث الأسود بن سريع. فهذه ثلاثة أحاديث صحاح.

والقول الثاني: أن أطفال المشركين خاصّة، خدم أهل الجنة، وقد احتج القائلون بهذا القول، بعدّة أحاديث:

الحديث الأول: 

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أطفال المشركين خدم أهل الجنة".

رواه ابو يعلى والطيالسي والبزار والطبراني في الأوسط.

والحديث ضعيف.

والحديث الثاني: 

عن سمرة بن جندب: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة ".

رواه الطبراني في الكبير، والبزار، والبخاري في التاريخ الكبير.

وهو حديث ضعيف.

والحديث الثالث: 

عن أبي مالك الأشعري: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة".

رواه ابن منده في المعرفة، وسنده واهٍ.

والقول الثالث: أن أطفال المشركين خاصّة، في النار مع آبائهم، وقد احتج القائلون بهذا القول، بعدة أحاديث:

الحديث الأول: 

عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لخديجة: "لو شئت لأسمعتك تضاغيهم في النار، يعني أطفالها الذين ماتوا في الإشراك".

رواه أحمد والطيالسي، بسند ضعيف جداً.

والحديث الثاني: 

عن خديجة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أين أطفالي منك؟ قال: في الجنة، وسألته عن أولادها من أزواجها المشركين؟ فقال: في النار، قالت: بغير عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين.

رواه الطبراني في الكبير، وقال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن أسد البجلي، ثنا سهل بن زياد، عن الأزرق بن قيس، عن عبد الله بن الحارث، عن خديجة.

ورواه أبو يعلى في مسنده، وقال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا سهل بن زياد الحربي بصري ثقة قال: حدثني الأزرق بن قيس، عن عبد الله بن نوفل أو عن عبد الله بن بريدة - قال إسحاق: "شك سهل" - عن خديجة.

قلت: وهذه أسانيد حسنة وصحيحة، إلى: عبدالله بن الحارث، وعبد الله بن نوفل أو عبد الله بن بريدة، إلّا أن ثلاثتهم لم يلتقي خديجة، ولا رآها، فالسند منقطع.

وعن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن خديجة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولادها؟ فقال: هم في النار، فلما رأى ما في وجهها قال: لو رأيت مكانهم لأبغضتهم، قالت: فأولادي منك؟ قال: في الجنة، والمشركون وأولادهم في النار.. الحديث.

رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي عاصم في السنة.

وسنده ضعيف.

والحديث الثالث: 

عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين؟ فقال: هم من آبائهم، فقيل له بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال: هم من آبائهم، فقيل بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين.

رواه ابو داود واللفظ له، وأحمد باختلاف يسير.

والحديث ضعيف.

والحديث الرابع: 

عن سلمة بن يزيد ويقال الجعفي، أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: إن أمنا مليكة ماتت في الجاهلية وكانت تصل الرحم وتقري الضيف فهل ينفعها من عملها ذلك؟ قال: لا، قلنا، فإن أمنا وأدت، قال الموءودة والوائدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها فتسلم.

رواه أحمد، والنسائي، والطبراني في الكبير، والبخاري في التاريخ الكبير.

وسنده صحيح.

والحديث الخامس: 

عن عبدالله بن مسعود، سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن امرأة ماتت في الجاهلية، ووأدت بنتها؟ فقال: "الوائدة والموءودة في النار".

رواه أبو داود، والطبراني في الكبير، بسند ضعيف، ورواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح.

ويظهر أن ابن مسعود سمع هذا من سلمة بن يزيد.

ومع أن إسناد حديث سلمة وابن مسعود في الوائدة والموءودة صحيحة، إلا أنه روي بلفظ أخر عن سعيد بن زيد بسنده عن ابن مسعود، أنه قال: جاء ابنا مليكة فسألا النبي صلى الله عليه وسلم إن أمنا وأدت فقال: أمكما في النار.

ولم يذكر الوائدة والموءودة.

قال البخاري في التاريخ الكبير: وقال عارم: قال حماد بن زيد: حديث سعيد بن زيد أصح.

قلت: فكأن سلمة بن زيد، وهم، فظن أن النبي قال: "الوائدة والموءودة في النار" ثم تذكر هو أو أحد الرواة أن الوائدة قد تسلم، فأتم من عنده، وأضاف: إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها فتسلم. فتكون هذه العبارة مدرجة من سلمة، أو من أحد الرواة، وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث السادس: 

عن أنس بن مالك قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.

رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأحمد.

والحديث صحيح.

قلت: ففيه أن هذا الغلام لو مات يهوديا لدخل النار.

وفي هذا الحديث، أنه كان غلاماً، والغلام عند العرب من بلغ سن التمييز، ولم يبلغ سن الاحتلام، وهو سن البلوغ.

وقد اعتضد أصحاب هذا القول بأحاديث أخرى، وهي:

الحديث الأول: 

عن عبدالله بن عباس، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا"

رواه مسلم.

وهذا الحديث لا حجة لهم فيه.

فإن قوله تعالى: {وَأَمَّا ٱلغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمِنَینِ فَخَشِینَاۤ أَن یُرهِقَهُمَا طُغیَـٰنا وَكُفرا} [الكهف]

لا يدرى، هل المراد بالطغيان والكفر هنا، الطغيان الأكبر والكفر الأكبر. أم أن المراد هو طغيان العقوق وكفر نعمة والديه عليه، فإن من المسلمين من يطغى في عقوقه وكفر نعمة والديه؟

وهذه المسألة لا جواب عليها، لأن الآية لم تصرّح ما المراد بالطغيان والكفر هنا، فقد يكون هذا أو ذاك.

ولكن هل يؤاخذ العبد بما مات عليه، أم بما سبق في علم الله فيه؟

والجواب: أن الله تعالى لا يؤاخذ العباد بما سبق في علمه عنهم، وإنما يؤاخذهم بما ماتوا عليه، والدليل على ذلك، أن الله تعالى قال: {وَلَولَاۤ أَن یَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّة وَ ٰحِدَة لَّجَعَلنَا لِمَن یَكفُرُ بِٱلرَّحمَـٰنِ لِبُیُوتِهِم سُقُفا مِّن فِضَّة وَمَعَارِجَ عَلَیهَا یَظهَرُونَ} [الزخرف]

فدلت هذه الآية على أن الله تعالى لا يؤاخذ الناس بما سبق في علمه عنهم، وإنما بما ماتوا عليه، لأنه لو واخذهم بما سبق في علمه عنهم، لأهلك الناس جميعا، كونه يعلم، أنه لو أغدق نعمه على الكفّار، لكفر المسلمون أيضا لأجل النعم التي سوف ينالونها في الدنيا، لأنهم لا صبر لهم عنها.

فالطفل الذي قتله الخضر، مات على الإسلام، فالراجح في شأنه أنه من أهل الجنة، إن شاء الله تعالى.

ثم إن هذا الحديث حسب فهم من زعم أن الطفل يولد مفطورا على الكفر، يرد قول من قال بأن أطفال المسلمين جميعا في الجنّة، وحكى الإجماع على ذلك. 

فتبيّن أن متن هذا الحديث فيه إشكال، كونه بهذا المعنى يتعارض مع القرآن الكريم والأحاديث الصحاح التي قطعت بأن المولود يولد على الإسلام، وأن الإسلام هو دين الفطرة التي خلق الله الناس عليها.

فحديث الغلام لا حجة فيه لهم.

والحديث الثاني: 

عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا".

رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء، وسنده واهٍ.

وفي وراية: "خلق الله يحيى في بطن أمه مؤمنا، وخلق الله فرعون في بطن أمه كافرا".

رواه الطبراني في الكبير، وسنده واهٍ.

والحديث الثالث: 

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا، ويحيى مؤمنا، ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا".

رواه أحمد والترمذي.

والحديث ضعيف.

فقالوا: إذا كانوا ولدوا كفّاراً، كما نصّت عليه هذه الأحاديث الثلاث، فإذا ماتوا وهم أطفال، فقد ماتوا على الكفر، وبالتالي مصيرهم إلى النار.

قلت: وهذه الأحاديث يظهر أنها لم تخرج من مشكاة النبوّة، بل هي أراء واجتهاد، لبعض الصحابة، فقد يكون هذا رأي ابن مسعود، فأخذه عنه أبو سعيد، ووهم الرواة في رفعه، فالآيات والأحاديث الإلهية والنبويّة، كلها تدل على أن المولود يولد على الفطرة، أي: على التوحيد.

والحديث الرابع: 

عن الصعب بن جثامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم ".

رواه البخاري ومسلم.

وليس في هذا الحديث، تصريح بأنهم كفّار مثل آبائهم، وإنما تأويل هذا الحديث، أن المسلمون إذا بيّتوا الكفّار، لا يستطيعون التمييز بين الكبار والصغار، والرجال والنساء، وفي محاولتهم التثبت من ذلك ما قد يؤدي إلى عطبهم، فقد يكون هذا الشخص رجلاً كبيراً فيكون في ترددهم في قتله فرصة له ليعاجلهم بالقتل، وبما أن هؤلاء الصغار والنساء تبعٌ لهؤلاء الرجال، وفي حوزتهم، ومن جملتهم، فهم بهذا الاعتبار منهم، فأخبر النبي أنه لا حرج عليهم في ذلك إذا قتلوهم خطأً وهم يظنونهم رجالاً كباراً، يدلّ على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل ذراري المشركين ونسائهم، وشدّد في ذلك. كما سوف أبيّن بإذن الله تعالى.

والحديث السادس: 

عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عند ما قال له عقبة بن أبي معيط: من للصبية يا محمد؟ قال: "النار".

وفي رواية: " النار لهم ولأبيهم".

رواه أبو داود، والشاشي، والبزار، والطبراني في الأوسط.

وسنده صحيح.

قلت: وليس في هذا الحديث حجة لهم، إنما هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على ولد عقبة، وهو أسلوب من أساليب العرب في إظهار عدم ألا مبالاة بالشيء، أو عدم الرأفة به، فلما قال له عقبة: من للصبية؟ قال: النار. أي: فليجعل الله النار تأكلهم. أي: في الدنيا. والدليل على ذلك، أن عقبة إنما يذكر النبي ويستعطفه، بما سوف يؤول إليه بنيه بعد موته في الدنيا، بعد فقد عائلهم.

قلت: وأي حديث ورد فيه أن الطفل يولد مخلوقاً، أي: مفطوراً على الكفر، فهو باطل، وإن كان مسلسلاً بالثقات، لأنه خالف القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة الأخرى، فعليه شاهدي عدل، شاهد من القرآن الكريم، وشاهد من الأحاديث الصحاح، والحديث الصحيح إنما يقبل، إذا لم يكن له معارض من كتاب الله أو من الأحاديث الصحاح الأخرى.

والدليل قوله تعالى: {فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاۚ فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیهَاۚ لَا تَبدِیلَ لِخَلقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعلَمُونَ} [الروم]

أي: أن الله تعالى خلق عباده على الدين الحنيف، وهو دين إبراهيم، دين التوحيد والإسلام، وقوله: (لا تبديل لخلق الله) أي: لا تبدّلوا خلق الله، فتردوهم إلى الشرك.

وورد في الحديث الصحيح، الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، أن الله تعالى قال: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا".

حديث صحيح.

وقد تقدم ذكر حديث الحسن عن الأسود بن سريع، في أن أطفال المشركين من خيار بني آدم، لأنهم على الفطرة التي خلقهم الله عليها من دين الحنيفية.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".. الحديث. ولم يقل: ويؤسلمانه. فالإسلام هو دين الفطرة.

وقد ضل في تأويل هذا الحديث، بعض أئمة السنة، منهم: عبدالله بن المبارك، فزعم أن معنى "كل مولود يولد على الفطرة" أي: يولد مفطورا على الإسلام أو على الكفر، وكأنه لم يقرأ الآية الكريمة، ولا قرأ الحديث الإلهي، وتبعه على ذلك أحمد بن حنبل، وتبعهم على ذلك أبو بكر الأثرم، بل إن الأثرم، صار يحرّف معنى قوله تعالى في الحديث الإلهي: "وإني خلقت عبادي حنفاء" بأن معنى الحنيف هنا، أي الكافر. وتالله ما جاء بها غيره! وإني لأعجب من تأويله هذا، وضلاله فيه، وكأنه لا يعرف معنى الحنيف، وكأنه لم يقرأ القرآن قطّ! ولكن هذا كله ثمرة الولاء المطلق للمشايخ والعلماء، وإبطال الفِكر والعقل في سبيل اتباعهم، تأتي مثل هذه التأويلات الباطلة.

فجميع الأحاديث التي اعتضدوا بها، باطلة.

كما اعتضدوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح سبي أطفال المشركين، والمسلم لا يجوز سباءه، والجواب على ذلك: أن أطفال المشركين ونسائهم في حكم أموالهم، فكما تقسم أموالهم، فكذلك يقسمون، فليس في هذا شاهد لهم على قولهم.

والقول الرابع: 

التوقف في شأنهم، سواء أطفال المسلمين أو أطفال المشركين، وقد احتج القائلون بهذا القول بعدة أحاديث:

الحديث الأول: 

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". 

وفي رواية: أفرأيت من يموت منهم وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".

رواه البخاري ومسلم.

والحديث الثاني: 

عن عبدالله بن عباس، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".

رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، وأحمد.

وخلاصة البحث:

أن الصواب في هذه المسألة إن شاء الله، والذي دلّت عليه الأحاديث:

أن الأطفال على قسمين:

أطفال مسلمين، وأطفال مشركين.

فأما أطفال المسلمين فهم جميعا في الجنّة بإذن الله تعالى، سواء عقل أم لم يعقل، وأعرب لسانه أم لم يعرب، وبلغ سن التمييز أم لم يبلغ.

وأما أطفال المشركين فهم على قسمين:

الأول: من لم يعقل ولم يعرب لسانه ولم يبلغ سن التمييز، فهؤلاء ناجون بإذن الله تعالى مع أبناء المسلمين، وموتاهم في جوار إبراهيم مع أبناء المسلمين، وهم الذين أنكر النبي قتلهم، وتنطبق عليهم أحاديث من مات على الفطرة من الأطفال.

والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "حتى يعرب عنها لسانها". فعلّق الأمر بإعراب لسان الطفل، فدل هذا على أن من لم يعرب لسانه، فهو على الفطرة، ودمه حرام، كحرمة دم المسلم. 

ومما يعضد ذلك، أن الجنة يبقى فيها فضل، فيخلق الله تعالى لها خلقا فيدخلهم فيها، بغير عمل عملوه، ولا خيرٍ قدّموه.

 رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، وأنس بن مالك.

فإن كان هذا هكذا، فإن من مات من أطفال المشركين والمسلمين حسابهم حساب هؤلاء، قياسا.

أما من عقل وأعرب لسانه وبلغ سن التمييز، من أولاد الكافرين والمشركين، ولكنه لم يبلغ سنّ التكليف بالعبادات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم مؤاخذون بما تقلدوه من الكفر، وإن لم يبلغوا سن التكليف بالعبادات، لأن التكليف بالعقائد غير التكليف بالعبادات، وأنهم في النار مع أهليهم.

وأصرح دليلٍ في ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم، عن الغلام اليهودي، الذي أسلم قبل أن يموت: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار". فهذا الغلام بلغ سن التمييز، وأعرب عنه لسانه، ودان باليهودية، ولكنه لم يبلغ سن التكليف بالعبادات، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار". فدلّ هذا، على أنه لو مات على اليهودية، لدخل النّار.

فكل صبيٍّ بلغ سِنَّاً يستطيع فيه أن يعرب عمّا في قلبه، ويميِّز بين كلامه وبين الأشياء، فهو مؤاخذ بما اعتقده في قلبه، ونطق به لسانه.

وهم الذين عذر النبي صلى الله عليه وسلم من أخطأ في قتلهم، وقال: هم منهم.

ولعل أولاد خديجة الذين ماتوا في الكفر من هؤلاء، إن صحّ الحديث.

والله وحده أعلم وأحكم.